الحديث عن الحديث عن الاشجار



" اذا أردت ان تنتج افلام في فرنسا فسوف تصبح مخرجا موائما للتطور ، واذا ذهبت الي السودان فسوف تنتظر علي كنبة الاحتياط " كان هذا رد جماعة الفيلم السوداني للمخرج الشاب العائد من أوربا صهيب قسم الباري ، قرر صهيب ان يجلس علي الكنبة وينتظر تماماً متأملاً ما ستنتهي اليه الأمور ، وعاد جماعة الفيلم الي اشغالهم وعاداتهم ، وفي الغالب هذه الاعمال هي تحدي صناعة السينما وتثقيف الشعوب، جلس صهيب علي الكنبة مثل طلاب الكراتيه في الأفلام اليابانية الذين يشقون جبال وفيافيها ليصلوا الي ذلك المعلم الذي يبدأ في امتحان صبرهم بتجاهلهم والعودة الي ماهو فيه غير ابه بتلك المسافات التي قطعوها .امتحان الصبر هذا ، هو قادم من ريبة مشرعنة لجيل الطيب مهدي ، ابراهيم شداد ، سليمان محمد ابراهيم ومنار الحلو من جيل صهيب ، هل يا تري ذلك الصهيل لدية من السؤدد مما يحمي عزيمته في هذه المواجهة . فصداقة هؤلاء لبعضهم هي والله بعمر صهيب ، فتحديات صهيب ليصبح إنسانا مبدعاً خلاقاً حساساً ثورياً كما هو عليه ، إنما هي تحديات صداقة الجماعة ، وعلني سأختصر اسمهم الي الجماعة ، فلا تخالطوهم مع جماعة الاسلام السياسي ، فشتان مابين جماعة ثورية مثقفة مبدعة وجماعة عمدت ان تحرمنا ثمار هم.
جاء الاسم الاول في ذهن صهيب بعد رد جماعة المعلمين ليكون " كنبة الانتظار " او بالدارجة " الاحتياطي " الا ان الظروف الإنتاجية وهي في غالب الأحوال ظروف " الرجل الأبيض " حالت دون ذلك الاسم ، فالفرنسيون لا يعرفون قيمة الاحتياط السلبية التي جاءت من علم " الدافوري " ودوري الرابطة ، وهذا هو المكان الذي ستنتظر فيه طويلاً حتي يرأف بك المدرب في غالب الأحيان عندما ينجذب ألي ساقيك .
ثم ظل الفيلم عارياً دون اسم ، وماظنيت ان صهيب كان لديه وقت للخروج من بحور المثاقفة والعواطف عند جماعة المعلمين والتحدث عن الاسم ، الي ان تحدث المعلمين في مسامرة قبل النوم ، وهو من مشاهد الفيلم الذي لا يقل عظمة عن الأخريات ، فيلقي منار الحلو في نهاية معرض حديثة عن قتامة الوضع في السودان بعض الكلمات من شعر الشاعر الألماني برتولت بريخت قائلاً "
‎أي زمنٍ هذا ؟

‎الحديث عن الأشجار يوشك أن يكون جريمة
‎لأنه يعني الصمت على جرائم أشد هولاً..............
ليأتي اسم "الحديث عن الأشجار" متوجاً لهذا العمل الجبار ، فجماعة المعلمين اصبحوا الان أشجاراً ، وأصبحت قصة الفيلم لا تنفصل من قصة بريخت في مسامرة " الأجيال القادمة" ، فكأنما جماعة الفيلم تبعث معاني لصهيب وكاميرته ونحن معه من خلال هذه القصيدة والتي يقول فيها لنا بريخت "حقاً إنني أعيشُ في زمنٍ أسود

‎الكلمة الطيبة لا تجدُ من يسمعها
‎و الجبهة الصافية تفضح الخيانة
‎و الذي ما زال يضحك
‎لم يسمعْ بعدُ بالنبأ الرهيب
‎تعلم صهيب درساً ان قصة كنبة الاحتياط هذة لم تكن الا امتحان صبر في الزمن الأسود ، وهل جبهة صهيب صافية لتعمد الثقة بينه وبين هذة الخمسة واربعين عاماً من الصداقة ، فانفضت ريبة المعلمين ليحتضنوا هذا الوافد الجديد الي ميدان التحدي ، وما كان الا القليل من الزمن حتي بان لهم ان ما صهيب بوافد ، إنما كان غائباً . وهنا سأخرج من القصة قليلاً ، فصهيب الذي رأيته وانا طفلاً في القاهرة قد تغيرت صورتة تماماً في مخيلتي بعد ان قرأت رواية أخيه الصغير محمد " حيث تكمن الألوان " المنشورة من دار السنابل ٢٠٠٨ ، فهذه الرواية يحكي محمد قسم باري عن الأخ المناضل الذي منح أخيه قصته ليحصل بها علي لجوء سياسي في التسعينات ، صهيب الذي غادر السودان وهو في ١٦ عام ، في زمن البؤس والجبروت عندما كانت الشباب تأخد مثل الماشية الي المحارق الجماعية في جنوب السودان ، بعد قراءة الرواية اختلطت علي صورة صهيب بصورة ذلك الأخ الكبير الذي رسمة محمد من مخيلتة العذبة الا انها والله فيها شئ من صهيب
اجتمع الغائب بالجماعة ليحققوا في ساعة من المشاهد التراجيدية ، المضحكة والرومانسية ، نعم رومانسية الأصدقاء وعطفهم علي بعضهم والذي يعبر بهم من تلك الحواجز التي ترسمها لهم سلطة الدين وسلطة السياسة وسلطة الأخلاق وسلطة الناس ، ولولا هذا النوع من الصداقات لما بان لنا شيء من تاريخنا او فننا يضئ لنا الزمن الأسود ، فهذه التعاونيات الصداقية هي والله التي حفظت ماتبقي من الأشجار ، و صيرورة الشجرة ان تثمر حتي تموت و من جهة اخري لاعب الاحتياط يمكن ان تطيل إقامته في الكنبة حتي توافيه المنية .،




Comments

Popular Posts